فصل: ثم دخلت سنة ثمان عشرة وستمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ثم دخلت سنة ثمان عشرة وستمائة

  ذكر عود دمياط إلى المسلمين

وفـي هـذه السنـة قـوي طمع الفرنج المتملكين دمياط في ملك الديار المصرية وتقدموا عن دمياط إلـى جهـة مصر ووصلوا إلى المنصورة واشتد القتال بين الفريقين براً وبحراً وكتب السلطان الملك الكامـل متواتـرة إلـى إخوتـه وأهل بيته يستحثهم على إنجاده فسار الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل صاحب دمشق إلى أخيه الملك الأشرف وهو ببلاده الشرقية واستنجده وطلب منه المسير إلى أخيهما الملك الكامل فجمع الملـك الأشـرف عساكـره واستصحـب عسكـر حلـب وكذلك استصحب معه الملك الناصر قليج أرسلان ابن الملك المنصور صاحب حمـاة وكـان الملك الناصر خائفاً من السلطان الملـك الكامـل أن ينتـزع حمـاة منـه ويسلمهـا إلـى أخيـه الملـك المظفر فحلف الملك الأشرف للملك الناصر صاحب حماة أنه ما يمكن أخاه السلطان الملـك الكامل من التعرض إليه فسار معه بعسكر حماة وكذلك سار صحبة الملك الأشرف كل من صاحب بعلبك الملك الأمجد بهرام شاه بن فرخشاه بن شاهنشاه ابن أيوب وصاحب حمص الملك المجاهد شيركوه بن محمد بن شيركوه بن شاذي وسـار الملـك المعظـم عيسـى بعسكـر دمشق ووصلوا إلى الملك الكامل وهو في قتال الفرنج على المنصورة فركب والتقى أخويه ومن في صحبتهما من الملوك وأكرمهم وقويت نفوس المسلمين وضعفت نفس الفرنج بما شاهدوه من كثرة عساكر الإسلام وتحملهم واشتد القتال بين الفريقين ورسل الملك كامل وأخويه مترددة إلى الفرنـج فـي الصلـح وبـذل المسلمون لهم تسليم القدس وعسقلان وطبرية واللاذقية وجبلة وجميع ما فتحه السلطان صلاح الدين من الساحل مما عدا الكرك والشوبك على أن يجيبوا إلى الصلح ويسلموا دمياط إلى المسلمين فلم يرض الفرنج بذلك وطلبوا ثلاثمائة ألف دينار عوضاً عـن تخريب أسوار القدس فإن الملك المعظم عيسى خربها كما تقدم ذكره وقالوا لا بد من تسليم الكرك والشوبك‏.‏

وبينمـا الأمـر متـردد فـي الصلـح والفرنـج ممتنعون من الصلح إذ عبر جماعة من عسكر المسلمين في بحـر المحلـة إلـى الـأرض التـي عليهـا الفرنج من بر دمياط ففجروا فجرة عظيمة من النيل وكان ذلك في قوة زيادته والفرنج لا خبرة لهم بأمر النيل فركب الماء تلك الأرض وصار حائلاً بين الفرنج وبين دمياط وانقطع عنهم الميرة والمدد فهلكوا جوعاً وبعثوا يطلبون الأمان على أن ينزلوا عن جميع ما بذله المسلمون لهم ويسلموا دمياط ويعقدوا مدة للصلح وكان فيهم عدة ملوك كبار نحو عشرين ملكاً فاختلفت الآراء بين يدي السلطان الملك الكامل في أمرهم فبعضهم قال‏:‏ لا نعطيهم أماناً ونأخذهم ونتسلم بهم ما بقي بأيديهم من الساحل مثل عكا وغيرها ثم اتفقت آراؤهـم علـى إجابتهـم إلى الأمان لطول مدة البيكار وتضجر العساكر لأنهم كان لهم ثلاث سنين وشهور في القتال معهم فأجابهم الملك الكامل إلى ذلك وطلب الفرنج رهينة من الملك الكامل فبعث ابنه الملك الصالح أيوب وعمره يومئذ خمس عشرة سنة إلى الفرنج رهينة وحضر من الفرنج رهينة على ذلك ملك عكا ونائب البابا صاحب رومية الكبرى وكندريس وغيرهـم من الملوك وكان ذلك سابع رجب من هذه السنة‏.‏

واستحضر الملك الكامل ملوك الفرنج المذكورين وجلس لهم مجلساً عظيمـاً ووقـف بيـن يديـه الملوك من إخوته وأهل بيته جميعهم وسلمت دمياط إلى المسلمين تاسع عشر رجب من هذه السنة وقد حصنها الفرنج إلى غاية ما يكـون وولاهـا السلطـان الملـك الكامـل الأميـر شجـاع الدين جلدك التقوي وهو من مماليك الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب وهنت الشعراء الملك الكامل بهذا الفتح العظيم ثم سار السلطان الملك الكامل ودخل دمياط ومعه إخوته وأهل بيته وكان يوماً مشهوداً ثم توجه إلى القاهرة وأذن للملوك في الرجوع إلى بلادهم فتوجـه الملـك الأشـرف إلى الشرق وانتزع الرقة من محمود وقيل اسمه عمر بن قطب الدين محمد بن عماد الدين زنكي بن مودود بن عماد الدين زنكي بن أقسنقر ولقي بغيه على أخيه فإنا ذكرنا كيف وثب على أخيه وقتله وأخذ سنجار ثم أقام الملك الأشرف بالرقة وورد إليـه الملك الناصر صاحب حماة فأقام عنده مدة ثم عاد إلى بلده‏.‏

 ذكر وفاة صاحب آمد

وفي هذه السنة توفي الملك الصالح ناصر الدين محمود بن محمد بن قرا أرسلان بن داود بن سقمان بن أرتق صاحب آمد وحصن كيفا بالقولنج وقام في الملك بعده ولده الملك المسعود وهو الذي انتزع منه الملك الكامل آمد وكان الملك الصالح المذكور قبيح السيرة وقد أورد ابن الأثير وفاته في سنة تسع عشرة‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث‏:‏

فـي هذه السنة في جمادى الآخرة خنق قتادة بن إرديس العلوي الحسني أمير مكة وعمره نحو تسعيـن سنة وكانت ولايته قد اتسعت إلى نواحي اليمن وكان حسن السيرة في مبتدأ أمره ثم أساء السيرة وجدد المظالم والمكوس وصورة ما جرى له أن قتادة كان مريضاً فأرسل عسكراً مـع أخيـه ومـع ابنـه الحسـن بـن قتـادة للاستيـلاء علـى مدينـة النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم وأخذهـا من صاحبها فوثب الحسن بن قتادة في أثناء الطريق على عمه فقتله وعاد إلى أبيه قتادة بمكة فخنقه وكان له أخ نائباً بقلعة ينبع عن أبيه فأرسل إليه الحسن فحضر إلى مكة فقتله أيضاً وارتكـب الحسـن أمـراً عظيمـاً قتـل عمـه وأبـاه وأخـاه في أيام يسيرة واستقر في ملك مكة وقيل إن قتادة كان يقول الشعر وطولب أن يحضر إلى أمير الحاج العراقي فامتنـع وعوتـب مـن بغـداد فأجاب بأبيات شعر منها‏:‏ ولي كف ضرغام أصول ببطشها وأشـري بهـا بيـن الـورى وأبيع تظل ملوك الأرض تلثم ظهرها وفـي بطنهـا للمجـد بيـن ربيع أأجعلها تحت الرحى ثم أبتغي خلاصاً لها إني إذاً لرقيع وما أنا إلا المسك في كـل بلـدة يضوع وأما عندكم فيضيع وفيها توفي جلال الدين الحسن صاحب الألموت ومقدم الإسماعيلية وولي بعده ابنه علاء الدين محمد‏.‏

  ثم دخلت سنة تسـع عشـرة وستمائـة

وفـي هـذه السنـة استقـل بـدر الدين لؤلؤ بملك الموصل وتوفي الطفـل الذي كان قد نصبه في المملكة وهو ناصر الدين محمود ابن الملك القاهر مسعود بن نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي بن أقسنقر وسمى لؤلؤ نفسه الملك الرحيم وكـان قد اعتضد بالملك الأشرف ابن الملك العادل فدافع عنه ونصره وقلع لؤلؤ البيت الأتابكي بالكليـة واستمـر مالكاً للموصل نيفاً وأربعين سنة سوى ما تقدم له من الاستيلاء والتحكم في أيام أستاذه نور الدين أرسلان شاه وابنه الملك القاهر مسعود‏.‏

وفـي هـذه السنـة سـار الملـك الأشـرف إلـى خدمـة أخيـه الملك الكامل وأقام عنده بمصر منزهاً إلى أن خرجت هذه السنة‏.‏

وفـي هـذه السنـة فـوض الأتابـك طغريـل الخـادم مديـر مملكـة حلـب إلـى الملك الصالح أحمد بن الظاهر آمر الشغر وبكاس فسار الملك الصالح من حلب واستولى عليهما وأضاف إليه الروج ومعرة ومصرين‏.‏

وفي هذه السنة قصد الملك المعظم عيسى صاحب دمشق حماة لأن الملك الناصر صاحب حماة كان قد التزم له بمال يحمله إليه إذا ملك حماة فلم يف له فقصد الملك المعظم حماة ونزل بقيرين وغلقت أبواب حماة فقصدها الملك المعظم وجرى بينهـم قتـال قليـل ثـم ارتحـل الملـك المعظـم إلـى سلميـة فاستولـى علـى حواصلهـا وولـي عليهـا ثم توجه إلى المعرة فاستولى عليها وأقام فيهـا واليـاً مـن جهته وقرر أمورها ثم عاد إلى سلمية فأقام بها حتى خرجت هذه السنة على قصد منازلة حماة‏.‏

وفي هذه السنة حج من اليمن الملك المسعود يوسف الملقب أطسز وهو اسم تركي والعامة تسميه أقسيس وكان قد استولى على اليمن سنة اثنتي عشرة وستمائة وقبض على سليمان شـاه بـن شاهنشـاه بـن عمـر بـن شاهنشـاه بـن أيـوب وحـج فـي هذه السنة فلما وقف الملك المسعود في هذه السنة بعرفة وتقدمت أعلام الخليفة الإمام الناصر لترفع على الجبل تقدم الملك المسعود بعساكره ومنع من ذلك وأمر بتقديم أعلام أبيه السلطان الملك الكامل على أعلام الخليفة فلم يقدر أصحاب الخليفة على منعه من ذلك ثم عاد الملك المسعود إلى اليمن وبلغ ذلك الخليفة فعظـم عليـه وأرسـل يشكـو إلـى الملـك الكامـل فاعتـذر عـن ذلـك فقبـل عـذره وأقـام الملـك المسعـود فـي اليمـن مـدة يسيـرة ثـم عـاد إلـى مكـة ليستولـي عليهـا فقاتلـه الحسـن بـن قتـادة فانتصـر الملك المسعود وانهزم الحسن بن قتادة واستقرت مكة في ملك الملك المسعود وولي عليها وذلك في ربيع الأول من سنة عشرين وستمائة ثم عاد إلى اليمن‏.‏

وفيها توفي الشيخ يونس بن يوسف بن مساعد شيخ الفقراء المعروفة باليونسية وكان رجلاً صالحاً وله كرامات وكانت وفاته بقرية القنبة من أعمـال دارا وقـد ناهـز تسعيـن سنـة وقبـره مشهور هناك‏.‏

  ثم دخلت سنة عشرين وستمائة

والأشرف بديار مصر عند أخيه الملـك الكامـل وأخوهمـا الملك المعظم بسلمية مستول عليها وعلى المعرة عازم على حصار حماة وبلغ الملك الأشرف مـا فعلـه أخوه المعظم بصاحب حماة فعظم عليه ذلك واتفق مع أخيه الكامل على الإنكار على الملـك المعظـم وترحيلـه فأرسـل إليـه الملـك الكامـل ناصـح الديـن الفارسـي فوصـل إلـى الملك المعظـم وهو بسلمية وقال له‏:‏ السلطان يأمرك بالرحيل فقال‏:‏ السمع والطاعة وكانت أطماعه قد قويت على الاستيلاء على حماة فرحل مغضباً على أخويه الكامل والأشرف ورجعت المعرة وسلمية للناصر وكان الملك المظفر محمود ابن الملك المنصور محمـد بـن تقـي الديـن عمـر بـن شاهنشـاه بـن أيـوب مقيمـاً عنـد الملـك الكامـل بالديـار المصريـة كمـا تقـدم ذكـره وكـان الملك الكامـل يؤثر تمليكه حماة لكن الملك الأشرف غير مجيب إلى ذلك لانتماء الناصر الملك صاحب حماه إليه وجرى بين الكامل والأشرف في ذلك مراجعات كثيرة آخرها أنهما اتفقا على نزع سلمية من يد الناصر قليج أرسلان وتسليمها إلى أخيه الملك المظفـر فتسلمهـا الملـك المظفـر وأرسل إليها وهو بمصر نائباً من جهته حسام الدين أبا علـي بـن محمـد بـن علـي الهذبانـي واستقر بيد الملك الناصر حماة والمعرة وبعرين ثم سار الأشرف من مصر واصطحب معـه خلعة وسناجق سلطانية من أخيه الملك الكامـل للملـك العزيـز صاحـب حلـب وعمـره يومئـذ عشـر سنيـن ووصـل الأشـرف بذلـك إلـى حلـب وأركـب الملـك العزيـز فـي دست السلطنة وفي هذه السنة لما وصل الملك الأشرف بالخلعة المذكورة إلى حلب اتفق مع الملك الأشرف كبراء الدولة الحلبية على تخريب قلعة اللاذقية فأرسلوا عسكراً وهدموها إلى الأرض‏.‏

ذكر أحوال غياث الدين أخي جلال الدين ابني خوارزم شاه محمد‏:‏ كان لجلال الدين منكبرني أخ يقال له غياث الدين تيزشاه وكان قد ملك غياث الدين المذكور كرمان فلما توجه جلال الدين منكبرني إلى الهند كما تقدم ذكره في سنة سبع عشرة تغلب غياث الدين على الري وأصفهان وهمذان وغير ذلك من عراق العجم وهي البلاد المعروفة ببلاد الجبل فخرج على غياث الدين خاله يعيان طابسي وكان أكبر أمرائه وأقربهم إليه فاقتتل

مع غياث الدين يعيان طابسي ومن معه وأقام غياث الدين في بلاده مؤيداً منصور‏.‏

ذكر حادثة غريبة‏:‏ كان أهل مملكة الكرج قد مات ملكهم ولم يبق من بيت الملك غير امرأة فملكوها وطلبوا لها رجلاً يتزوجها ويقوم بالملك ويكون من أهل بيت المملكة فلم يجدوا فيهم أحداً يصلح لذلك وكان صاحب أرزن الروم مغيث الدين طغريل شاه بن قليج أرسلان السلجوقي من بيت كبير مشهـور فأرسـل يخطـب الملكـة لولـده ليتزوجهـا فامتنعـوا مـن إجابتـه إلا أن يتنصـر فأمـر ولـده فتنصر وسار إلى الكرج وتزوج ملكتهم وكانت هذه الملكة تهوى مملوكاً لها ويعلم ابن طغريل شاه بذلك وتكامن فدخل يوماً إلى البيت فوجد المملوك نائماً معهـا فـي الفـراش فلـم يصبـر المذكور على ذلك فأنكر عليها فأخذته زوجته واعتقلته في بعض القلاع ثم أحضرت رجلين كانا قد وصفا لها بحسن الصورة فتزوجت أحدهما ثم فارقته وأحضرت إنساناً من كنجـة مسلماً وهويته وسألته أن يتنصر لتتزوج به فلم يجب إلى ذلك وترددت الرسل بينهما في ذلك مدة فلم يجبها إلى التنصر‏.‏

ذكر وفاة ملك الغرب‏:‏ في هذه السنة توفي يوسف المستنصر ملك الغرب ابن محمد الناصر بن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن وقد تقدم ذكر ولايته في سنة عشر وستمائة وكان يوسف المذكور منهمكاً في اللذات فدخل الوهن على الدولة بسبب ذلك ولم يخلف يوسف المذكور ولـداً فاجتمع كبراء الدولة وأقاموا عم أبيه لكبر سنه وهو عبد الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن ولقبوه المستضيء وكان عبد الواحد المذكور قد صار فقيراً بمراكش وقاسى الدهر فلما تولى اشتغـل باللـذات والتنعـم فـي المآكـل والملابـس مـن غيـر أن يشـرب خمـراً ثم خلع عبد الواحد المذكور بعد تسعة أشهر من ولايته وقتل وملك بعده ابن أخيه عبد الله وتلقب بالعادل وهو عبد الله بن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن‏.‏

  ثم دخلت سنة إحـدى وعشريـن وستمائـة

فـي هـذه السنـة وصـل التتـر إلـى قرب تبريز وأرسلوا إلى صاحبها أزبك بن البهلوان يقولون له‏:‏ إن كنت في طاعتنا فأرسل من عندك من الخوارزمية إلينا فأوقع أزبك بمن عنده من الخوارزمية وقتل بعضهم وأسر الباقين وأرسلهم إلى التتر مع تقدمة عظيمة فكفوا عن بلاد أزبك وعادوا إلى بلاد خراسان‏.‏

وفيها استولى غياث الدين تيزشاه أخو جلال الدين بن خوارزم شاه على غالب مملكة فارس وكان صاحب فارس يقال له الأتابك سعد بن دكلا وأقام غياث الدين بشيراز وهي كرسي مملكة فارس ولم يبق مع الأتابك سعد من فارس غير الحصون المنيعة ثم اصطلح غياث مع الأتابك سعد على أن يكون لسعد بعض بلاد فارس ولغياث الدين الباقي‏.‏

ذكر عصيان المظفر غازي ابن الملك العادل على أخيه الملك الأشرف‏:‏ كان الملك الأشرف قد أنعم على أخيه الملك المظفر غازي بخلاط وهي مملكة عظيمة وهي إقليم أرمينية وكان قد حصل بين الملك المعظم عيسى صاحب دمشق وبين أخويه الكامل والأشرف وحشة بسبب ترحيله عن حماة كما قدمنا ذكره‏.‏

فأرسل المعظم وحسن لأخيـه المظفـر غـازي صاحـب خلـاط العصيـان علـى أخيـه الملـك الأشرف‏.‏

فأجاب الملك المظفر إلى ذلك وخالف أخاه الملك الأشرف وكان قد اتفق مع المعظم والمظفر غازي صاحب إربـل مظفـر الدين كوكبوري بن زين الدين علي كجك وكان بدر الدين لؤلؤ منتميـاً إلـى الملـك الأشـرف فسار مظفر الدين صاحب إربل وحصر الموصل عشرة أيام وكان نزوله على الموصـل ثالـث شهر جمادى الآخرة من هذه السنة ليشغل الملك الأشرف عن قصد أخيه بخلاط ثم رحل مظفر الدين عن الموصل لحصانتها فلم يلتفت الملك الأشرف إلى محاصر الموصل وسار إلى خلاط وحصر أخـاه شهـاب الديـن غـازي فسلمـت إليـه مدينـة خلـاط وانحصـر أخـوه غـازي بقلعتها إلى الليل فنزل من القلعة إلى أخيه الملك الأشرف واعتذر إليه فقبل عذره وعفا عنه وأقره على ميافارقيـن وارتجـع باقـي البلـاد منـه وكـان استيـلاء الملـك الأشـرف علـى خلـاط وأخذها من أخيه في جمادى الآخرة من هذه السنة‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين وستمائة

ذكر وصول جلال الدين من الهند إلى البلاد‏:‏

قـد تقدم في سنة سبع عشرة وستمائة ذكر هروب جلال الدين من غزنة لما قصده جنكزخان وأنـه دخـل بلـاد الهند فلما كانت هذه السنة قدم من الهند إلى كرمان ثم إلى أصفهان واستولى عليها وعلى باقي عراق العجم ثم سار إلى فارس وانتزعها من أخيه غياث الدين تيزشاه بن محمد وأعادها إلى صاحبها أتابك سعد بن دكلا صاحب بلاد فارس وصار أتابك سعد المذكور وغياث الدين تيزشاه أخو جلال الدين تحت حكم جلال الدين وفي طاعته ثم استولى جلال الدين على خورستان وكاتب الخليفة الإمام الناصر‏.‏

ثم سار جلال الدين حتى قارب بغداد ووصل إلى يعقوبا وخاف أهل بغداد منه واستعدوا للحصار ونهبت الخوارزمية البلاد وامتلـأت أيديهـم مـن الغنائـم وقـوي أمـر جلـال الديـن وجميـع عسكره الخوارزمية ثم سار إلى قريب إربل فصالحه صاحبها مظفر الدين ودخل في طاعته ثم سار جلال الدين إلى أذربيجان وكرسي مملكتها تبريز فاستولى على تبريز وهرب صاحب أذربيجان وهو مظفر الدين أزبك بن البهلوان بن الدكز وكان أزبك المذكور قد قوي أمره لما قتل طغريل آخر الملوك السلجوقية ببلاد العجم فاستقل أزبك المذكور في المملكة وكان أزبك المذكور لا يزال مشغولاً بشرب الخمر وليس له التفات إلى تدبير المملكة فلما استولى جلال الدين على تبريز هرب أزبك إلى كنجة وهي من بلاد آران قرب بردعة ومتاخمة لبلاد الكرج واستقل السلطان جلال الدين بملك أذربيجان وكثرت عساكره واستفحل أمره ثـم جـرى بيـن جلال الدين وبين الكرج قتال شديد انهزم فيه الكرج وتبعهم الخوارزمية يقتلونهم كيف شاؤوا واتفـق أنـه ثبـت علـى قاضـي تبريـز وقـوع الطلاق من أزبك بن البهلوان بن الدكز على زوجته بنت السلطان طغريل آخر الملوك السلجوقية المقدم ذكره فتزوج جلال الدين ببنت طغريـل المذكـور وأرسل جيشاً إلى مدينة كنجة ففتحوها فهرب مظفر الدين أزبك بن محمد البهلوان من كنجة إلى قلعة هناك ثم هلك وتلاشى أمره‏.‏

ذكر وفاة الملك الأفضل نور الدين علي ابن السلطان صلاح الدين يوسف‏:‏ في هذه السنة توفي الملك الأفضل المذكور وليس بيده غير سميساط فقط وكان موته فجأة وعمره سبع وخمسـون سنـة وكـان الملـك الأفضـل فاضـلاً حسـن السيـرة وتجمـع فيـه الفضائـل والأخلاق الحسنة وكان مع ذلك قليل الحظ وله الأشعار الحسنة فمنها يعرض إلى سوء حظه قوله‏:‏ يـا مـن يسود شعره بخضابه لعساه من أهل الشبيبة يحصل ها فاختضب بسواد حظي مرة ولك الأمان بأنه لا ينصـل ولما أخذت منه دمشق كتب إلى بعض أصحابه كتاباً منه‏:‏ أما أصحابنا لدمشق فلا علم لي أي صديـق سألـت عنـه ففي الذل وتحت الخمول في الوطـن وأي ضد سألت حالته سمعت مـا لا تحبـه أذنـي ذكر وفاة الإمام الناصر‏:‏ وفي أول شوال من هذه السنة توفي الخليفة الناصر لدين الله وكانت مدة خلافته نحو سبع وأربعين سنة وعمي في آخر عمره وكان موته بالدوسنطاريا وهو الإمام الناصر لدين الله أبو العبـاس أحمـد بـن المستضـيء حسـن بـن المستنجـد يوسف بن المقتفي محمد بن المستظهر أحمد بن المقتدي عبد الله بن الأمير ذخيرة الدين محمد بن القائم عبد الله بن القادر أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر جعفر بن المكتفي علي بن المعتضد أحمد بن الأمير الموفق‏.‏

وقيـل اسمـه طلحـة وقيل محمد بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد بن رشيد هارون بن المهدي محمـد بـن المنصـور عبـد اللـه بـن محمـد بن علي بن عبد الله ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم العبـاس بـن عبـد المطلـب بـن هاشـم‏.‏

وكـان عمـر الإمـام الناصـر نحـو سبعين سنة وكان قبيح السيرة في رعيته ظالماً لهم خرب في أيامه العراق تفرق أهله في البلاد وكان يتشيع وكان منصرف الهمة إلى رمي البندق والطيور المناسيب ويلبس سراويلات الفتوة ومنع رمي البندق إلا من ينسب إليه فأجابه الناس إلى ذلك إلا إنساناً واحداً يقال له ابن السفت وهرب من بغداد إلى الشـام وقـد نسـب الإمـام الناصـر أنـه هو الذي كاتب التتر وأطمعهم في البلاد بسبب ما كان بينه ين خوارزم شاه محمد بن تكش من العداوة ليشغل خوارزم شاه بهم عن قصد العراق‏.‏

 خلافة الظاهر

وهو خامس ثلاثينهم ولما توفي الإمام الناصر بويع ولده الظاهر بأمر الله أبو نصر محمد فأظهر العـدل وأزال المكـوس وأخـرج المحبوسيـن وظهـر للنـاس وكـان الناصـر ومن قبله لا يظهرون إلا نادراً ولم تطل مدته في الخلافة غير تسعة أشهر‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وستمائة

فيهـا سـار الملـك المعظـم عيسـى ابـن الملـك العـادل صاحب دمشق ونازل حمص وكان قد اتفق مع جلال الدين بن خوارزم شاه ومع مظفر الدين صاحب إربل على أن يكونوا يداً واحدة وكان الملك الأشرف ببلاده الشرقية ثم رحل المعظم عن حمص إلى دمشق بسبب كثرة ما مات من خيله وخيل عسكره وورد عليه أخوه الملك الأشرف طلباً للصلح وقطعاً للفتن فبقي مكرماً ظاهراً وهو في الباطن كالأسير معه وأقام الملك الأشرف عند أخيه المعظم إلى أن انقضت هذه السنة وأما الملك الكامل فإنه كان بمصر وقد تخيل من بعض عسكره فما أمكنه الخروج عنها‏.‏

وفي هذه السنة فتح السلطان جلال الدين تفليس من الكرج وهي من المدن العظام‏.‏

وفي هذه السنة سار جلال الدين ونازل خلاط وهي منازلته الأولى فطال القتال بينهم وكان نائب الأشرف بخلاط الحاجب حسام الدين علي الموصلي وكان نزوله عليها ثالث عشر ذي القعدة ورحل عنها لسبع بقين من ذي الحجة من هذه السنة بسبب كثرة الثلوج‏.‏

ذكر وفاة الخليفة الظاهر بأمر الله‏:‏ وفـي رابـع عشـر رجـب مـن هـذه السنة توفي الخليفة الظاهر بأمر الله محمد ابن الناصر لدين الله وكان متواضعاً محسناً إلى الرعية جداً وأبطل عدة مظالم منها‏:‏ أنه كان بخزانة الخليفة صنجة زائدة يقبضون بها المال ويعطون بالصنجة التي يتعامل بها الناس وكان زيادة الصنجة في كل دينـار حبـة فخرج توقيع الظاهر بإبطال ذلك وأوله‏.‏

‏)‏ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفـون وإذا كالوهـم أو وزنوهـم يخسـرون ‏(‏المطففيـن‏:‏ 1، 2، 3‏)‏‏.‏

وعمـل صنجة المخزن مثل صنجـة المسلمين وكان مضاداً لأبيه الناصر في كثير من أحواله منها‏:‏ أن مدة خلافة أبيه كانت طويلة ومدة خلافته كانـت قصيـرة وكـان أبـوه متشيعـاً وكـان الظاهـر سنيـاً وكـان أبـوه ظالمـاً جماعاً للمال وكان الظاهر في غاية العدل وبذل الأموال للمحبوسين على الديون وللعلماء‏.‏

 خلافة المستنصر

وهـو سادس ثلاثينهم ولما توفي الظاهر ولي الخلافة بعده ولده الأكبر المستنصر بالله أبو جعفر المنصور وكان للظاهر ولد آخر يقال له الخفاجي في غاية الشجاعة وبقي حياً حتى أخذت التتر بغداد وقتل ولما تولى المستنصر الخلافة سلك في العدل والإحسان مسلك أبيه الظاهر‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث‏:‏

في هذه السنة سار علاء الدين كيقباذ بن كيخسرو بن قليج أرسلان صاحب بلاد الروم إلى بلاد الملك المسعود الأرتكي صاحب آمد فنزل كيقباذ بملطية وهي من بلاد كيقباذ وأرسل عسكراً ففتحوا حصن منصور وحصن الكختا وكانا لصاحب آمد المذكور‏.‏

وفيها في خامس عشر ذي الحجة نازل جلال الدين مدينة خلاط وهي للملك الأشرف وبها نائبه حسام الدين علي الحاجب وهي منازلته الثانية وجرى بينهم قتال شديد وأدركه البرد فرحل عنها في السنة المذكورة‏.‏

  ثم دخلت سنة أربع وعشرين وستمائة

والملك الكامل بديار مصر وجلال الدين خوارزم شاه مالك أذربيجان وآران وبعض بلاد الكرج وعراق العجم وغيرها وهو موافق الملك المعظم على حرب أخويه الكامل والأشرف والرسل لا تنقطع بين المعظم وجلال الدين والملك الأشرف مقيم كالأسير عند أخيه الملك المعظم ولما رأى الملك الأشرف حاله مع أخيه المعظم وأنه لا خلاص لـه منـه إلا بإجابتـه إلـى مـا يريـد أجابه كالمكره إلى ما طلبه منه وحلف له أن يعاضده ويكون معه على أخيهما الملك الكامل وأن يكون معه على صاحبي حماة وحمص فلما حلف له على ذلك أطلقه الملك المعظم فرحل الملك الأشرف في جمادى الآخرة من هذه السنة فكانت مدة مقامه مع المعظم نحو عشرة أشهر‏.‏

ولما استقر الملك الأشرف ببلاده رجع عن جميع ما تقرر بينه وبين أخيه الملك المعظم وتأول في أيمانه التي حلفها أنه مكره ولما تحقق الملك الكامل اعتضاد أخيه الملك المعظم بجلال الدين خـاف مـن ذلـك وكاتـب الإمبراطـور ملـك الفرنـج فـي أن يقـدم إلـى عكـا ليشغـل سر أخيه المعظم عما هو فيه ووعد الإمبراطور بأن يعطيه القدس فسار الإمبراطور إلى عكا فبلـغ المعظـم ذلـك فكاتب أخاه الأشرف واستعطفه‏.‏

وفـي هذه السنة انتزع الأتابك طغريل الشغر وبكاس من الملك الصالح أحمد ابن‏.‏

الملك الظاهر وعوضه عنها بعينتاب والراوندان‏.‏

وفيها سار الحاجب حسام الدين علي نائب الملك الأشرف بخلاط بعساكـر الملـك الأشـرف ذكر وفاة الملك المعظم صاحب دمشق فـي هـذه السنـة فـي ذي القعـدة توفـي الملـك المعظـم عيسـى ابـن الملـك العـادل أيـي بكـر بن أيوب بقلعة دمشق بالدوسنطاريا وعمره تسع وأربعون سنة وكانت مدة ملكه دمشق تسع سنين وشهوراً وكان شجاعاً وكان عسكره في غاية التجمـل وكـان يجامـل أخـاه الملـك الكامـل ويخطـب لـه ببلاده ولا يذكر اسمه معه وكان الملك المعظم قليل التكلف جداً في غالب الأوقات لا يركب بالسناجق السلطانية وكان يركب وعلى رأسه كلوته صفراء بلا شاش ويتخرق الأسواق من غير أن يطرق بين يديه كما جرت عادة الملوك ولما كثر مثل هذا منه صار الإنسان إذا فعل أمـراً لا يتكلـف له يقال قد فعله بالمعظمي وكان عالماً فاضلاً في الفقه والنحو وكان شيخه في النحو تاج الدين زيد بن الحسن الكندي وفي الفقه جمال الدين الحصيري وكان حنفياً متعصباً لمذهبه وخالف جميع أهل بيته فإنهم كانوا شافعية ولما توفي الملك المعظم ترتب في مملكته وأعمالها بعده ولده الملك الناصر صلاح الدين داود وقام بتدبير مملكته مملوك والده وأستاذ داره الأمير عز الدين أيبك المعظمي وكان لأيبك المذكور صرخد‏.‏

ذكر وفاة ملك المغرب وفـي هـذه السنة خلع العادل عبد الله بن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن وقد تقدم ذكر ولايته في سنة عشرين وستمائة بعد خلع عبد الواحد وقتله‏.‏

وفي أيام العادل عبد الله المذكور كانت الوقعة بين المسلمين والفرنج بالأندلس على طليطلة انهزمت فيها المسلمون هزيمة قبيحة وهـذه الوقعـة هـي التـي هـدت دعائـم الإسلـام بالأندلـس ولمـا خلـع عبـد اللـه العـادل المذكور حبس ثم خنق ونهب المصموديون قصره بمراكش واستباحوا حرمه‏.‏

ثم ملك بعده يحيى بن محمد الناصر بن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن ويحيى يومئـذ ما خط عذاره ولما تمت بيعة يحيى وصل الخبر أنه قد قام بإشبيلية إدريس بن يعقوب المنصـور وهـو أخـو العـادل عبـد اللـه وتلقـب إدريـس بالمأمـون وجميعهـم كانوا يتلقبون بأمير المؤمنين وتعقد البيعة لهم بالخلافة ولما استقر أمر إدريس المأمون المذكور في إشبيلية ثارت جماعة من أهل مراكش وانضم إليهم العرب ووثبوا على يحيى بن محمد الناصر بمراكش فهرب يحيـى إلـى الجبـل ثم اتصل بعرب المعقلي فغدروا به وقتلوه وخطب للمأمون إدريس في مراكش واستقر أمره في الخلافة بالبرين بر الأندلس وبر العدوة‏.‏

ثم خرج على المأمون إدريس المذكور بشرق الأندلس المتوكل بن هود واستولى على الأندلس ففارق إدريس الأندلس وسار من إشبيلية وعبر البحر ووصل إلى مراكش وخرجت الأندلس حينئـذ عـن ملـك بنـي عبـد المؤمـن ولمـا استقـر المأمـون إدريـس فـي ملـك مراكـش تتبع الخارجين على من تقدمه من الخلفاء فقتلهم عن آخرهم وسفك دماء كثيرة حتى سموه لذلك حجاج المغرب وكان المأمون إدريس المذكور فصيحاً عالماً بالأصول والفروع ناظماً ناثـراً أمـر بإسقـاط اسـم مهديهم ابن تومرت من الخطبة على المنابر وعمل في ذلك رسالة طويلة أفصح فيها بتكذيب مهديهم المذكور وضلاله ثم ثار على إدريس المذكور أخوه بسبتة فسار إدريس من مراكش إليه وحصره بسبتة ثم بلغ إدريس وهو محاصر سبتة أن بعض أولاد محمد الناصر بن يعقوب المنصـور قـد دخـل إلـى مراكـش فرحـل إدريـس عـن سبتـة وسـار إلى مراكش فمات في الطريق بين سبتة ومراكش‏.‏

ولما مات المأمـون إدريـس ملـك بعـده ابنـه عبـد الواحـد بـن المأمـون إدريـس وتلقـب المذكـور بالرشيـد ثـم توفـي الرشيـد عبـد الواحـد بـن المأمـون إدريـس بـن يعقـوب المنصـور ابـن يوسـف بن عبد المؤمـن غريقـاً فـي صهريـج بستان له بحضرة مراكش في سنة أربعين وستمائة وكان الرشيد عبد الواحد المذكور حسن السياسة وكان أبوه إدريس قد أبطل اسم مهديهم من الخطبة فأعاده عبد الواحد المذكور وقمع العرب إلا أنه تخلى للذاته لما استقر أمره ولم يخطب للرشيد عبد الواحد المذكور بإفريقية ولا بالمغرب الأوسط‏.‏

ولما مات الرشيد عبد الواحد المذكور ملك بعده أخوه علـي بـن إدريـس وتلقـب بالمعتضـد أميـر المؤمنيـن وكـان أسـود اللـون وكان مدحوضاً في حياة والده وسجنه في بعض الأوقات وقدم عليه أخاه الصغير عبد الواحد المذكور واستمر المعتضد علي بن إدريس المذكور حتى قتل وهو محاصر قلعة بالقرب من تلمسان في صفر من سنة ست وأربعين وستمائة‏.‏

ثـم ملـك بعـد المعتضـد الأسـود المذكـور أبـو حفـص عمـر بـن أبي إبراهيم بن يوسف في شهر ربيع الآخر من سنة ست وأربعين وستمائة وتلقب بالمرتضي وفي الحادي والعشرين من المحرم سنة خمس وستين وستمائة دخل الواثق أبو العلا إدريس المعـروف بأبـي دبـوس مراكـش وهـرب المرتضي إلى أزمور من نواحي مراكش فقبض عليه عامله بها وبعث إلى الواثق بذلك فأمره الواثـق بقتلـه فقتلـه فـي العشـر الأخيـر مـن شهـر ربيـع الآخر من سنة خمس وستين وستمائة بموضع يقـال لـه كتامـة بعـده عـن مراكـش ثلاثة أيام‏.‏

وأقام الواثق أبو دبوس ثلاث سنين وقتل في الحروب التـي كانت بينه وبين بني مرين ملوك تلمسان وانقرضت دولة بني عبد المؤمن وكان قتل الواثق أبـي دبـوس المذكـور فـي المحـرم سنـة ثمـان وستيـن وستمائـة بموضـع بينـه وبيـن مراكـش مسيـرة ثلاثـة أيـام فـي جهتهـا الشماليـة واستولى بنو مرين على ملكهم وقد حصل الاختلاف في نسب أبي دبوس فإني وجدت في بعض الكتب المؤلفة في هذا الفن أن أبا دبوس هو ابن إدريس المأمون ثم وجـدت نسبـه فـي وفيـات الأعيـان أنـه هـو نفسـه اسمـه إدريـس بـن عبـد اللـه بـن يعقـوب بـن يوسف بن عبد المؤمن على ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏